الجمعة، 1 يناير 2010

سقوط جامعة القاهرة

د. أحمد دراج - المصريون

سقطت بالأمس جامعة القاهرة سقوطا مروعا، سقطت وآه لو تعلمون معنى السقوط !! إنه سقوط ليس ككل السقطات، ولم يكن السقوط سقوطا في الإنشاءات يمكن تحمل نفقاته، ولا رسوبا في اختبار يمكن تداركه لاحقا في الفصل القادم، بل كان سقوطا أخلاقيا وأكاديميا وعلميا وسقوطا في المباديء والأهداف التي أنشئت من أجلها الجامعات في أنحاء العالم.

إن حرية الرأي واحتضان الرأي الآخر ونشر رسالة التنوير والقيم الأخلاقية النبيلة ورعاية الإبداع والرقي بالمجتمع وتنميته من أهم أهداف الجامعة، ولذا فقد سقطت الجامعة في أبسط وأسهل الاختبارات التي وضعت أسئلتها منذ نشأتها، وسقطت لأنها اختارت لنفسها دورا مهينا يلوث سمعتها وهو المشاركة العملية في عملية تزوير انتخابات نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة، وهو جمعية أهلية لا تتبع الجامعة، وسقطت أيضا لأنها دست أنفها فيما لا يعنيها وهو اختيار مجلس إدارة الجمعية الأهلية التي تسمي نادي أعضاء هيئة التدريس فظهرت كشريك متضامن مع وزارة التضامن الاجتماعي لكي تثبت بكل جدارة أن الجامعة التي كانت عريقة- في يوم ما- ليست مؤسسة مستقلة حسب نص الدستور، ولا حتى مجرد شرطي أو رجل أمن يقمع آراء مخالفيه تنفيذا للأوامر العسكرية، بل مؤسسة أكاديمية فاشلة أهملت وظيفتها السامية لتمارس التزوير على طريقة البلطجية وأصحاب السوابق وتمارس الفوضى في إهدار الدستور والقوانين إرضاء للجنة السياسات في الحزب البغيض.

بالفعل سقطت جامعة القاهرة بإقحام قيادتها الأكاديمية والإدارية بداية من رئيس الجامعة إلى عمداء الكليات والوكلاء في عملية إهدار كرامة زملائهم من خلال رعاية انتخابات شطب فيها حوالى 30 أستاذا وحرموا من حقهم في الترشح والتصويت، وجنت عليهم بتعليق جريمة التساهل وتزوير انتخابات نادي أعضاء هيئة التدريس عيانا بيانا، رغم علمهم بحكم محكمة القضاء الإداري لصالح الأساتذة المشطوبين وحقهم في ممارسة حق الترشح لانتفاء وجود سبب الشطب.

سقطت الجامعة كمؤسسة علمية أكاديمية ولم يبق منها سوي هيئتين: هيئة نقل عام قامت بدور نشط في شحن بعض أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم في ميكرباصات حكومية على شكل شحنات من البشر بلا إرادة للتصويت لمجموعة مرشحي الحزب المبغوض، والهيئة الثانية هيئة شرطية بملابس مدنية لتسهيل عملية التزوير الممنهج وفرم القانون تحت الأحذية.

كان المنظر في لجان التصويت مؤلما للضمير المهني أولا والضمير الإنساني ثانيا بسبب تلك الصورة البشعة التي تعبر عنها حالة استجداء الأصوات بوسائل الترغيب والترهيب التي اتبعت مع أعضاء الهيئة المعاونة لإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم، وكاد المشرفون على لجان التصويت أن بجتذبوا الأساتذة من الطريق العام داخل الحرم الجامعي للتصويت بعد أن كانت نسبة الحضور حتى الساعة الثانية عشرة- وهو الموعد المحدد لغلق باب التسجل- نسبة محدودة جدا لم تتجاوز 120 ناخبا من أربع كليات ضخمة هي كليات الطب البشري والآداب ومعهد الأورام والعلاج الطبيعي.

والمرء يتساءل كيف يقبل أستاذ جامعي محترم أن يعينه الأمن عضو مجلس إدارة في نادي اجتماعي من خلال إقصاء منافسيه بالشطب على طريقة اتحادات الطلاب ؟، وأي شرف ينتظر أي مرشح من وراء هذا !!! وإذا كانت عضوية مجلس إدارة النادي عمل تطوعي بدون أجر فماذا يتكالب هؤلاء الأساتذة عليه في ظل تزوير إرادة أعضائه ؟ وما المكاسب التي ستعود على هؤلاء من عضوية مجلس إدارة غير شرعي ؟

ثم كيف يقبل أستاذ جامعي أن يشحن في ميكروباص أو يجرجر للتصويت وحدانا وجماعات كما يشحن عامة الشعب في سيارات النقل الجماعي للتصويت في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية ؟ أي أمل يرجى من عقول جامعية سلمت قيادها للتبعية والخضوع ؟

ويا أيها الفائزون بمقاعد لستم أهلا لها مهلا، لقد أسأتم إلى أنفسكم ومرمطتم سمعة جامعة القاهرة في الوحل بالموافقة المباشرة وغير المباشرة على التزوير والاحتيال ؟ لن نصمت على ما اقترفتموه من تآمر وتدليس في حق البيت الذي تربيتم في أحضانه ثم بصقتم اليوم على جدرانه، إننا نطعن في شرعية وجودكم بالجامعة كمؤسسة تربوية وعلمية ومهنية قبل أن تصبحوا أعضاء مجلس إدارة نادي هيئة تدريس جامعة القاهرة بالقوة الجبرية والإزاحة .

ليست هناك تعليقات: