الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

بمناسبة رأس السنة الهجرية: حصار شعب بنى هاشم.. وحصار غزة


بقلم الأستاذ محمد السخاوي- أمين تنظيم حزب العمل الإسلامي المصري

(1) إلى الأمة الإسلامية كلها: أسأل الله أن يكون هذا العام الهجرى الجديد عام يقظة وبعث جديد لتصحيح المسار لنصرة الإسلام حتى نكون فعلاً كما أرادنا الله: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
فالدنيا كلها اليوم فى أشد الحاجة لنور الإسلام لنسج معالم وخيوط حضارة إنسانية محكومة بالعدل والمساواة والتوازن بين كل الأمم والدول والشعوب.
وإلى شباب المقاتلين المرابطين فى فلسطين ولبنان والعراق والصومال وأفغانستان، طليعة الأمة فى الدفاع عن الحق ومواجهة الباطل والطغيان والهيمنة الصهيونية الأمريكية الغربية: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا العام نقله نوعيه للأمام فى الجهاد فى سبيل الله والأمة، هذه النقلة تكون بالإنتقال من حالة الفرقة إلى حالة الوحدة، وتتحقق حالة الوحدة إذا ما تحققت وحدة القوى ووحدة القيادة ووحدة التخطيط وصولا لانتصار الإسلام والمسلمين فى كل ركن من أركان الأمة الإسلامية. هذا الأمر ليس ببعيد أو مستحيل التحقيق، فمعسكر الباطل وحد صفوفه وقيادته فى حلف واحد لمحاربة الإسلام والمسلمين في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، والواجب الشرعى يقتضى منا أن نستن بنفس السنة فلا نواجههم متفرقون.. ما نطلبه أن تتجسد وحدة الأمة التى ننتمى إليها فى وحدتكم، فنحن أمة مهددة فى وجودها، والوجود شرط العبادة والإعمار، وليكن هذا هو الهدف الذى تتوحدون عليه: الحفاظ على وجودنا وعقيدتنا ورسالتنا.. وحدوا هدفكم.. وحدوا قيادتكم.. وحدوا قواكم.. فكما توحد العدو على الباطل توحدوا أنتم على الحق.. أسأل الله أن تحققوا ذلك، وأن لا يهل العام القادم إلا وقد حققتموه.. لقد جزَّءونا ليهزمونا، فلنتوحد لننتصر عليهم.. ولتبدأ فصائل المقاومة العربية بهذه الخطوة التوحيدية التى هى طريق تعبئة الأمة كلها لتحقيق النصر.
(2) حصار الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعشيرته من بنى هاشم وبنى المطلب:
فى صدر الدعوة إزدادت طغمة الكفر فى مكة "وقريش" عدوانا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلة المسلمة بهدف إقتلاع الدعوة تماما من مكة، وكان رد الرسول على ذلك فى سبيل الحفاظ على بعض من "النواة الدعوية الصلبة" أن أذن لبعض المؤمنين بالهجرة إلى الحبشة فهى أرض صدق يحكمها ملك "أصحمة" لا يظلم، وكان عدد هؤلاء المؤمنون المهاجرين مائة وواحد (83 رجلا و18 امرأة) وكان العدد الكلى للمسلمين يتراوح ما بين المائتين والثلاثمائة.
وقد حاولت الطغمة الحاكمة الكافرة فى مكة مع النجاشى لاسترجاع المسلمين لقتلهم واستئصال بذور الدعوة الإسلامية, ولكنهم لم يفشلوا فى ذلك فقط, بل فوجئوا بأكثر من ذلك: إسلام النجاشى، وكانت هذه بداية دخول الإسلام الحبشة, ونزلت فيهم الآيات من 52 إلى 55 من سورة القصص: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ{52} وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ{53} أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{54} وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ{55}), وقد فقدت قريش رشدها تماما بعد فشل أبو جهل فى محاولاته مع الوفد الحبشى لإبعاده عن الإسلام، وفشلها قبل ذلك فى استرداد المهاجرين المسلمين من الحبشة، وبدلا من استئصال بذور الدعوة كثر عدد الدعاة وإزدادت صلابة وتوسعت رقعتها.
لذلك خططت قريش لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان التخطيط يجمع بين السرية والعلنية، وطلبوا من أبى طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ووالد على تسليم رسول الله، وإلا فإن الحرب ستكون شاملة على محمد وعشيرته.
وقد عبأ أبو طالب بنى هاشم وبنى المطلب لحماية رسول الله محمد، وعمد أبو طالب وعشيرته إلى شِعب بنى هاشم فى الجبل ومعهم محمد صلى الله عليه وسلم حفاظا عليه من قريش، وقال أبو طالب قولته المشهورة: (نموت من عند أخرنا قبل أن يوصلوا إلى محمد) ويدعوا ويقول: (اللهم إن قومنا قد أبو إلا البغى، فعجل نصرنا وحل بينهم وبين قتل ابن أخى).
وعقدت طغمة الكفر اجتماعا ووصلوا معا إلى اتفاق ينظم فرض حصار شامل على بنى هاشم وبنى المطلب وكل المتعاونين معهم، وكتبوا بشأن ذلك صحيفة علقوها فى جوف الكعبة حتى يقرأها ويعلمها ويلتزم بها كل الناس، وقالوا "لا صلح بيننا وبين بنى هاشم وبنى المطلب ولا رحم ولا رحمة إلا على قتل هذا الرجل، وجاء فى الصحيفة "باسمك اللهم.. على بنى هاشم وبنى المطلب على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمد فيقلوه".
استمر هذا الحصار الشامل المميت ثلاث سنوات، ولكن لم تضعف الروابط العشائرية وصلات الرحم والقربى لبنى هاشم وبنى المطلب، فصمدت في مواجهة هذا الحصار الظالم، وتسبب هذا الصمود العشائرى في تفتيت جبهة المحاصرين لمحمد وعشيرته، وبدأت عناصر تنتمى لعشيرة بنى أسد (عشيرة أم المؤمنين خديجة) وعناصر تربطها صلات رحم وقربى ببنى هاشم وبنى المطلب في تسريب البضائع إلى المحاصرين في شعب بنى هاشم، وفي النهاية استطاع هؤلاء المتمردون على هذا الحصار الظالم تعبئة الناس لكسر هذا الحصار المفروض على أهلهم فى الجبل وإنهاؤه تماما، وكان من زعماء هذا التمرد الثورة: حكيم بن حزم ابن أخ خديجة، وهشام بن عمرو تصله ببنى هاشم صلة قرابة، والبخترى ابن الحارس ابن أسد من قوم خديجة، زهير ابن أبى أمية، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله، أبو البخترى ابن هشام، زمعة ابن الأسود ابن عبد المطلب والمطعم بن عدى، كل هؤلاء الذين لعبوا دور الطليعة فى كسر وإنهاء الحصار المفروض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعشيرته ربطتهم ورابط عشائرية وصلات الرحم والقربى بعشيرة بنى هاشم وبنى المطلب.
(3) حصار غزة :
مثلما كانت تفعل طغمة الكفر فى مكة، من فساد فى الأرض ومحاولات مستميتة لقتل رسول الله وصحابته لاستئصال الدعوة من جزيرة العرب، تفعل الآن طغمة العمالة والخيانة فى السلطة الفلسطينية فى غزة والضفة، إفساد متواصل فى الأرض، خيانة وعمالة سرية وعلنية لحساب العدو الصهيونى والأمريكى، تصفية مستمرة لكوادر وأنصار حماس ومنظمات المقاومة الأخرى التى رأت فى حمل السلاح والمقاومة طريقا صحيحا لتحرير كل فلسطين بعكس السلطة (عباس وأتباعه) الذين اتخذوا الصداقة والشراكة وشرب الأنخاب والتفاوض مع العدو طريقا وحيدا للحفاظ على وجودهم وامتيازاتهم على حساب وجود فلسطين.
فى مواجهة هذا الفساد وهذه الخيانة التى تستهدف تهويد كل فلسطين وتسليمها للصهيونية واجهت حماس ومعها كل فصائل التحرير والمقاومة عناصر العمالة والخيانة واستطاعت تحرير غزة من سطوتهم كما حرروها من قبل من دنس الصهاينة، وأصبحت غزة محرّرة تماما من الصهيونية وعملائها فى الداخل الفلسطينى، والمنفذ الوحيد لغزة على أمتها العربية وأمتها الإسلامية والعالم هو منفذ رفح الذى يربط رفح المصرية برفح الفلسطينية.
ولأن هذا يعد انتصارا لخط المقاومة الذى يستهدف تحرير كل فلسطين على خط المساومة والتسوية الذى يستهدف تسليم كل فلسطين للصهيونية كمدخل لفرض الهيمنة والسيطرة الصهيونية على الأمة العربية والوطن العربى كله، فإن الصهيونية وأمريكا والغرب عملوا على رفع سقف الترابط العضوى بين النظام الرسمى العربى وبين الحلف الأمريكى الصهيونى، بحيث يكونوا جميعا حلف استراتيجى واحد فى مواجهة فصائل المقاومة فى الأمة العربية كلها، وبسرعة استجاب النظام الرسمى العربى لهذه الدعوة الصهيونية الأمريكية، وترجم هذه الاستجابة فيما يسمى بالمبادرة العربية 2002 التى أقرت اعتراف النظام الرسمى العربى بالكيان الصهيونى على حساب عروبة فلسطين، ثم قام هذا الحلف الأمريكى الصهيونى العربى بفرص حصار شامل على غزة، وذلك بغلق معبر رفح تماما الذى يعد المنفذ الوحيد لغزة على أمتها والعالم، وعلى الرغم من عدم وجود أى التزام قانونى أو سياسى يفرض على مصر غلق المنفذ إلا أنها ألتزمت بمطالب الحلف المعادى وأغلقت المعبر بالضبة والمفتاح.
يفعل النظام المصرى ذلك وهو يعلم أن عدو مصر التاريخى والسياسى والواقعى هو الكيان الصهيونى، ويعلم أن مصلحة الأمن المصرى يتطلب إضعاف الكيان الصهيونى وإضعاف الكيان الصهيونى يضع المقاومة الفلسطينية فى وضع الحليف الاستراتيجى لمصر لتكون مع المقاومة اللبنانية بمثابة الكماشة التى تطبق على العدو من الشمال والجنوب، ويعلم النظام المصرى أن هذه الكماشة هى خط الدفاع الأول عن مصر خاصة بعد أن عرت اتفاقيات كامب ديفيد سيناء تماما من أى تواجد حقيقى ومؤثر للقوات المصرية.. إلا أن النظام المصرى برغم كل هذه الحقائق فضل التحالف مع العدو على حساب الأمن المصرى المباشر ووجود الأمة كلها، وفرضت مصر الحصار الشامل على غزة، ولم تستطع معظم القوافل الشعبية المصرية والعربية والدولية التى جاءت إلى غزة لنصره المحاصرين الدخول للقطاع وفضل النظام المصرى تخزين هذه القوافل وإتلافها وحرقها على أن يدخلها داخل القطاع لإنقاذ المحاصرين.
وكان على الروابط العشائرية وصلاة الرحم التى تربط المصريين بالفلسطينيين بشكل عام، وهذه الروابط التى تربط السيناويون والغزاويون بشكل خاص أن تفعل
ما فعلته هذه الروابط بكسر وإنهاء الحصار على رسول الله لأن هذا سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، خاصة وأن فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص لم تنفصل تاريخيا عن مصر على الإطلاق، لقد كانت غزة بمثابة محافظة مصرية، بالتالى فإن الروابط العشائرية والقبلية وصلات القربى روابط وصلات قوية، مما أهلها لأن تقف فى مواجهة الحصار الأمريكى الصهيونى العربى الظالم وكسره.
وكانت الأنفاق على طول الخط الفاصل بين غزة وسيناء هى الأسلوب التى توصلت إليه العشائر والقبائل لربط القطاع بمصر لمواجهة الحصار وكسره وإنهاؤه.. بل أكثر من ذلك لقد استطاعت الجماهير المصرية والفلسطينية على ناحيتى الخط الفاصل من هدم الخط الفاصل تمام فى أوائل 2007.. إن الوحدة العشائرية فى سيناء وغزة، وحدة الأهل استطاعت أن تكسر الحصار بالأنفاق التى تدفقت منها البضائع لغزة حتى يصمد أهلها وحتى تصمد المقاومة في مواجهة العدو، وقد تمثل صمود المقاومة فى مواجهة الحرب الصهيونية على القطاع أوائل 2008 فى عدم قدرة الأعداء تحقيق أهدافهم من الحصار والحرب على القطاع.
والقضية الآن أن مصر وأمريكا وإسرائيل اتفقوا على أن تمول أمريكا وتنفذ جدارا فولاذيا لا يتأثر بالقنابل تحت الأرض على طول الخط الفاصل بين مصر وغزة بعمق يتراوح بين 20، 30 مترا تحت الأرض.. لتكون فلسطين كلها في سجن حده الجنوبى الجدار الفولاذى الذى تقيمه أمريكا بموافقة مصرية تحت الأرض لإبطال مفعول الأنفاق التى أقامتها العشائر للتغلب على الحصار وحده الشمالى الجدار العازل فوق سطح الأرض الذى تقيمه إسرائيل فى شمال الضفة.. يجرى كل هذا تحت أنوف وبصر النظام الرسمى العربى على الرغم من فشل نهج التسوية.. والواقع الماثل الآن: أن النظام المصرى يمارس الحصار والقتل والتجويع لأهلنا فى غزة وفى المقابل يقوم نفس النظام بدعم إسرائيل اقتصاديا (الكويز)، ويقوم بمدها بالغاز والكهرباء ومواد البناء، ويقوم بدعمها إعلاميا وسياسيا.. ولا عزاء للأمن المصرى والأمن القومى ووحدة الهوية.. لكن هيهات فكما انتصر الناس فى كسر الحصار على شعب بنى هاشم فإننا بإذن الله لمنتصرون، ستستطيع الوحدة القومية والعشائرية أن تجد حلولا لمشاكل الجدار الفولاذى.

ليست هناك تعليقات: