الأحد، 15 فبراير 2009

تغريبة مجدى أحمد حسين

نشر بجريدة "صوت الامة " بتاريخ 9/2/2009
ساهر جاد يكتب عن تغريبة مجدى احمد حسين :

مجدي حسين من وراء القضبان للنظام المصري : اختشوا.. لم يبق إلا إعلانكم الوحدة مع الكيان الصيوني !

مهزلة محاكمة مجدي حسين مثال واضح لمنطق السفور الذي يتعامل به النظام المصري مع شعبه، فهو لم يعد يكلف نفسه حتي بمحاولة تغطية ممارساته ونواياه كما كان يحدث سابقا.. مجدي حسين أحيل إلي محاكمة عسكرية بدلا من قاضيه الطبيعي (هذا في حالة التسليم جدلا بأنه ارتكب ما يستوجب محاكمة من أي نوع) حتي في المحاكم العسكرية يوجد قوانين وأعراف تحفظ للمتهم حقه في محاكمة عادلة، وكان النظام في السابق يحرص علي الصورة الشكلية فيسمع للمتهم باختيار هيئة الدفاع ويسمح لهم بالمرافعة.. وغيرها من البديهات القضائية ولكن هذا لم يحدث في مهزلة مجدي حسين الذي كشف فيه النظام بكل بشاعة عن وجهه الحقيقي دون رتوش وهذا ما سنراه لاحقا ولكن يجدر الاشارة إلي أن يحدث مع مجدي حسين ليس مسئولا عنه فقط النظام بأركانه ولكني أضيف إلي القائمة قبلهم الكثير من القوي الوطنية التي تحسب نفسها علي الشارع المصري،
قضية مجدي حسين التي يحاكم فيها بقرار جمهوري وليس بقانون لم تكن أبدا قضية شخصية ولا حتي فرد دافع عن قضية وطنية يؤمن بها، ولكن قضية نخبة سمحت وتسمح بصمتها أو حتي بصراخها بتمرير محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، وهل يريد النظام أكثر من ذلك؟ إن سلاح المحاكم العسكرية الذي يشهره النظام في وجه معارضيه وبرغم التعديلات الدستورية الأخيرة التي أفرد فيها مادة كاملة لإثبات أن القضاء العسكري جزء من القضاء المصري وأضاف إليه ضمانات شكلية مثل محاكم النقض العسكري، وحسب قضاء القانون الدستوري فانه فعلا جزء من القضاء المصري ولكن للعسكريين أو في الجرائم التي تحدث في مناطق عسكرية.. أما أن يستعمل هذا السيف ضد معارضي النظام الحاكم فهو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان النقطة الثانية أن تهمة مجدي حسين هي التسلل إلي حدود "دولة أجنبية" فهل يري الوطنيون بمختلف عقائدهم السياسية أن غزة دولة أجنبية؟ ووصل الأمر إلي أن اثنين أشقاء من النشطاء المصريين بمدينة رفح (آمر فوزي المطري وأخيه باهي فوزي المطري) يحقق معهما الآن بتهمة التخابر مع جهة أجنبية وهي حماس !
وكل ما فعله الناشطان أنهما كانا يساعدان قوافل الإغاثة الانسانية التي كانت تصل إلي رفح.
النقطة الثالثة هي سلبية موقف نقابة الصحفيين المصريين التي ينتمي إليها مجدي حسين وكيف لم يتحرك أحد من مجلس النقابة لحضور التحقيق مع مجدي في النيابة، وهل يكفي فقط ارسال الاستاذ سيد أبو زيد المستشار القانوني للنقابة (مع كل التقدير والاحترام لتكبده الحضور إلي العريش) ألم يكن من الأجدر تحرك وفد من مجلس النقابة بما فيه النقيب للدفاع عن أحد أبناء النقابة؟ وحتي لجنة الحريات بالنقابة (مع كل التقدير أيضا لمجهودات الاستاذ محمد عبد القدوس) لم تتواجد في الاسماعيلية لتكون شاهدا علي هذه المهزلة.. هل ينحصر دور لجنة الحريات في سلم النقابة والوقفات الاحتجاجية؟ الإخوان المسلمون من جانبهم اكتفوا ببيانات الشجب وتصريحات الإدانة ولم نر الآلاف منهم يتظاهرون أو يعتصمون دفاعا عن مجدي ولو علي سبيل تقارب الفكر والغايات. في قلبي غضاضة، وفي حلقي غضة فما شاهدته في الاسماعيلية يوم الخميس الأسود لو رأيته في شريط سينمائي لاعتبرته مبالغة لاعلاقة بالواقع.. والواقع أنها كانت واقعا ثقيلا، يجسد ما يحدث في بلدنا هذه الأيام وحتي لا استطرد أكثر من ذلك أعرض عليكم تفاصيل تغريبة مجدي حسين داخل وطنه.
يوميات التغريبة

السبت 31 يناير :
وصل مجدي حسين إلي معبر رفح الذي يقوم عليه أفراد أمن مصريون - الساعة الواحدة والنصف ظهرا، فوجيء باحتجازه بمعرفة العقيد محمد عيد - أمن المواني - وظل محتجزا دون أي تحقيق أو اتهام حتي الخامسة والنصف مساء حيث تم تحرير محضر باتهام مجدي حسين بالتسلل عبر الحدود، ثم وضع في حجز قسم شرطة رفح لمدة ساعة ونقل بعد ذلك لحجرة انفرادية.. في الثانية صباحا استدعاه مأمور القسم وجرت بينهما دردشة ودية - المعاملة إلي الآن ودية.

الأحد 1 فبراير :
تم ترحيله في الصباح الباكر لنيابة العريش العسكرية في سيارة ترحيلات تابعة للداخلية، كان محاميه حسن كريم وزوجته الدكتورة ماجدة القليوبي في انتظاره، ولكنه لم يعرض علي النيابة التي اكتفت بعرض الأوراق فقط، المفاجأة أن الأوراق الواردة معه من القسم لم تتضمن محضر الضبط! وطبعا النيابة قررت إعادة عرضه في اليوم التالي مع التشديد علي ضرورة احضار محضر الضبط، ولم يحضر أحد من نقابة الصحفيين كما ينص القانون ولم تطلب النيابة ذلك.

الاثنين 2 فبراير :
بدأت المعاملة تتغير بشدة نحو الأسوأ ترك مجدي مكبلا بالقيود الحديدية داخل سيارة الترحيلات وعندما دخل المحامون إلي رئيس النيابة لتدارك الأمر كان يرد بأنه أمر يخص الشرطة ! وعندما يتوجهون إلي الشرطة تقول إن السيارة في سراي النيابة وهكذا فشلت أكثر من عشر محاولات لفك قيود مجدي حتي هدد المحامون بالانسحاب (حسن كريم - أحمد حسن - محمد حمد) فتم استدعاء مجدي لبدء التحقيق .. مجدي كان يرد علي الأسئلة بالتبرير السياسي للواقعة باعتبار أن أهلنا في فلسطين في حاجة ماسة للتضامن خاصة وأن قطاع غزة لا يعتبر أرضا أجنبية، إلا أن النيابة كانت تصر علي أن التهمة محددة في واقعة تسلل عادية !
وحتي تبدو الصورة مكتملة الأركان قانونيا تنبهت النيابة إلي أن مجدي حسين صحفي، وانه يجب حضور من يمثل النقابة في التحقيقات فطلبت رسميا من نقابة الصحفيين ارسال من يمثلها لحضور التحقيق وأعيد مجدي مكبلا بسيارة الترحيلات إلي قسم شرطة رفح من جديد .

الثلاثاء 3 فبراير :
تم احضار مجدي في سيارة الترحيلات وحتي لا تتدخل النيابة وتطالب فك القيود باعتبار أنه في سراي النيابة أوقفت سيارة الترحيلات خارج مبني النيابة ليظل مجدي عدة ساعات في السيارة مكبلا وعندما حضر الاستاذ سيد أبو زيد ممثلا لنقيب الصحفين وبدأت التحقيقات فشلت محاولات مجدي المستمرة لإثبات أهمية التضامن مع غزة ورفع الحصار عن شعبها، حتي قررت النيابة احالته محبوسا إلي جلسة الخميس 5 فبراير، وقبل ترحيله إلي سجن العريش المركزي طلب احضار الأدوية الخاصة به، فتوجه الاستاذ حسن كريم إلي إحدي الصيدليات بالعريش لشراء الدواء - الباهظ الثمن - اللافت أن صاحب الصيدلية عندما علم الدواء للاستاذ مجدي حسين رفض بشدة أخذ ثمنه.

مساء االثلاثاء 4 فبراير في القاهرة :
أمام نقابة الصحفيين كانت مجموعة من النشطاء قد استجابوا لدعوي جميلة اسماعيل لعمل وقفة احتجاجا علي حبس الوطنيين والشرفاءمن أيمن نور وإلي مجدي حسين حضرها العشرات هاتفين بالحرية لمجدي ورافعين للافتات التضامن مع غزة وشعبها.
الأربعاء 4 فبراير :
مجدي حسين في محبسه بسجن العريش المركزي بروح معنوية عالية انعكست في رسائله من وراء القضبان التي حث فيها المصريون علي ضرورة التحرك والمشاركة في فك الحصار عن غزة، كما دعا شباب حزب العمل والحركة الوطنية إلي مواصلة الجهاد وطلب الشهادة في سبيل تحرير مصر وفلسطين ولكن أهم رسائله كانت للنظام المصري التي قال فيها : اختشوا .. ما ينقصكم هو إعلان الوحدة مع الكيان الصهيوني !
الخميس 5 فبراير :
في القاهرة بدأت أحداث اليوم مبكرا في السادسة والنصف صباحا أمام نقابة الصحفيين عندما تجمع عدد من النشطاء ممثلين لكفاية والكرامة بالاضافة إلي عدد من النشطاء للتوجه إلي الاسماعيلية لحضور أغرب وأسرع جلسة محاكمة
وفي نفس الوقت تحركت عدة سيارات من محافظات مختلفة تحمل عددا من المحامين والنشطاء للحضور وإعلان تضامنهم مع مجدي حسين
- في العريش بدأت اجراءات ترحيل مجدي حسين من سجن العريش المركزي إلي مقر المحكمة داخل قيادة الجيش الثاني الميداني بالاسماعيلية.
- الدكتور عبد الجليل مصطفي كان أول من وصل إلي مقر المحكمة وظهر مبكرا النية المبيتة بمنع أي فرد من حضور الجلسة فسمحوا له باعتباره الطبيب المعالج لمجدي بالدخول مع 3 محامين كانوا قد حضروا تحقيقات النيابة عندما وصلت السيارات بالمحامين والصحفيين من المحافظات ومنظمات المجتمع المدني ( أكثر من 25 محاميا) ، ثم ايقافهم عند البواية، وبعد أخذ الكارنيهات الخاصة بالمحامين والصحفيين واحضار أتوبيس عسكري لنقلهم إلي قاعة المحكمة ثم إنزال الصحفيين. وعلمنا بعد ذلك أن المحامين لم يتمكنوا من حضور الجلسة والصحفيون مازالوا أمام البوابة الرئيسية.
- عندما انتصف النهار كانت أمور أخري تجري في الداخل حيث بدأت محاولات عقد صفقة مع المحامين يسمح بمقتضاها لهم بالاطلاع علي الأوراق وحضور المحاكمة مقابل أن يوافقوا علي انهاء المحاكمة اليوم ! وعندما تشاور حسن كريم منسق هيئة الدفاع - مع الزملاء واستغرب الجميع كيف يمكن انهاء محاكمة لشخص مثل مجدي حسين وبهذه التهم في يوم واحد، وعندما علم رئيس المحكمة العقيد هاني عبد العزيز بنية المحامين في طلب أجل للاطلاع والاستعداد - وهو شيء بديهي حتي في القضاء العسكري - رفض حضورهم الجلسة أو حتي إطلاعهم علي أوراق القضية.
د . صلاح صادق استاذ القانون المعروف وعضو هيئة الدفاع يقول أن العلانية ركن من أركان تحقيق العدالة، والمقصود بها الرأي العام والاعلام للتأكد من مدي سلامة الاجراءات، كما أن ما يحدث يجعل محاكمة مجدي حسين تفتقد النص الجوهري وهو وجود دفاع مع المتهم، حتي أنهم رفضوا إطلاعنا علي أوراق القضية لتحديد مدي قانونية الاحالة ومدي دستوريتها، مما يجعل المحكمة كلها منعدمة، وهم مغتصبون حقه في الحرية، ومن حق مجدي حسين أن يقاوم بكل الوسائل وهذا ما اتفق عليه شراح القانون ومن حقنا نحن أيضا أن نلجأ لكل الوسائل لمقاومة هذا العدوان ورفض الانصياع لحكم الحبس، وهذه مهمة المجتمع المدني ووسائل الاعلام لإظهار مدي بطلان هذه المهزلة.بعدما تأكدت هيئة المحكمة من رفض المحامين تخليص القضية في ذات اليوم بدأت سلسلة من المضايقات لمجموعة النشطاء المنتظرين عند البوابة وطلب منهم الابتعاد ومغادرة المكان فورا، كادت أن تحدث احتكاكات بعد محاولتهم إخراج النشطاء والصحفيين خارج المنطقة العسكرية - وكأنهم من اختاروا المنطقة العسكرية لمحاكمة مجدي حسين - ولكن العقلاء من الموجودين مثل د . مجدي قرقر والمهندس عبد العزيز الحسني والاستاذ عبد الحميد بركات احتوا الموقف واقنعوا الجميع بالابتعاد عن المكان ( أصلا مكان البوابة المتواجدين عندها يبعد 3 كم عن قاعة المحكمة) ووامتثل الجميع خروجا إلي الشارع العام رافعين صور مجدي حسين ولافتات تطالب بالافراج عنه، وبدأت جحافل ومدرعات الأمن المركزي تحيط بهم، ولكنهم اعتصموا بأحد الأرصفة مصرين علي عدم التحرك حتي تنتهي المحاكمة. لأستاذ إبراهيم عبد السلام المحامي وعضو هيئة الدفاع يقول إنه لولا اصرار المحامين الجماعي علي الانسحاب واعتصام النشطاء بالشارع ربما كان حكم الإدانة صدر في ذات اليوم.في داخل المحكمة اتفق المحامون علي الحضور الجماعي أو الانسحاب الجماعي، فما كان من العقيد هاني عبد العزيز ورئيس المحكمة إلا انتداب 3 محامين من خارج هيئة الدفاع ضاربا عرض الحائط بما اثبته مجدي حسين بتمسكه بحقه الطبيعي في اختيار من يدافع عنه ورفض السماح للمنتدبين بالدفاع عنه الاساتذة أحمد فياض وسيد عبد السلام وسراج رجب، ولكن رئيس المحكمة أو المهزلة العسكرية بتعبير أدق استمر في تنفيذ السيناريو وطلب من المحامين المنتدبين المرافعة، وهو ما يتعارض مع كل الاعراف القانونية .
وهو ما يؤكده الاستاذ أحمد سيف الاسلام بأن الاجراء الطبيعي في هذه الحالة أن تؤجل القضية حتي يسمح بحضور الدفاع الذي حدده مجدي حسين.
- المفاجأة أن المحامين المنتدبين أكدوا عدم دستورية قرار رئيس الجمهورية رقم 298 لسنة 1995، مشيرين إلي أن هذا القرار لم يعرض علي مجلس الشعب ولم يصبح قانونا يعاقب عليه المواطنون محسن شاشة المحامي وعضو هيئة الدفاع يقول إنه لا عقوبة دون نص قانوني وبالتالي لا تجوز محاكمة مجدي أو غيره علي أساس هذا القرار.
المفاجأة الثانية كانت في مرافقة المحامين المنتدبين الذين أفاضوا في شرح أهمية التضامن مع غزة والاشادة بما فعله مجدي حسين حتي إن أحدهم بكي متأثرا في أثناء مرافقته علي حسب ما ذكرته د . نجلاء القليوبي زوجة مجدي حسين التي أكدت أملها في أن تعود الأمور إلي نصابها ويصدر حكم البراءة كما طلب المحامون المنتدبون من قبل هيئة المحكمة. وفاء المصري عضو هيئة الدفاع قالت إن الحكم المنتظر معلوم مسبقا لأن كل الدلائل تشير إلي سيناريو كامل سابق التجهيز، بينما يري حسن كريم أنه ربما أراد النظام فسحة من الوقت لمواءمة السياسة والأمل مازال قائما في البراءة أو في إيقاف التنفيذ..انتهي كلام المحامي ومازالت تغريبة مجدي حسين مستمرة في وطنه.. فهل يتحرك الوطن ؟

ليست هناك تعليقات: