الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

العيد في غزة.. عيون باكية وقلوب شاكية

أم عاطف ترقد على قبر ابنها البكر منذ أن تم الإعلان أن الإثنين هو العيد وتوزع الحلوى التي كان يعشقها ابنها، ولكن توزعها على روحه بدلاً من أن تطعمها له بيديها كما اعتادت قائلةً: "لقد كان عاطف يحب هذا النوع من الحلويات، وهذا هو العيد الأول الذي أقضيه دون أن أصبح على ضحكات بكري وطلَّته هو وزوجته وأبناؤه ليهنأ بالعيد كالمعتاد"، وجادت عيناها بالبكاء.
هكذا يقضي أهالي غزة أعيادهم.. تذهب الأم لتقبِّل تراب ابنها الشهيد بدلاً من أن يأتي هو ليقبِّل يدها ويهنئها بالعيد، وتلك زوجة ترثي زوجها الشهيد، وذاك طفل عيونه بالحسرة تجود ينتظر بحسرة العيدية، ولكن للأسف لن يأتي بها والده؛ لأن والده أصبح ذكرى في القلوب، وصورة على الجدران، دموع يتامى وأرامل وأمهات الشهداء.. هذا هو عيد غزة!!.
لقد كانت أم عاطف واحدة من عشرات الأمهات اللاتي قابلناهن على مقبرة بيت حانون قلعة الصقور وبوابة الشمال.
أما أم فادي كادت تسقط مغشيًّا عليها من حرقتها على طفلها الذي فقدته وهو دون الثانية عشرة من عمره، ولم يكن على لسانها إلا أحلى وأروع الكلمات التي تدلُّ على إيمان أمهاتنا العزيزات الصابرات المرابطات في أرض الرباط: "الحمد لله.. محمد رسول الله.. وحسبي ربي ونعم الوكيل".
أم زكريا وهي أخت الأم محمد ترثي هي الأخرى ابنها احمد الذي استُشهد هو وابن أختها جميعًا بين يديها على يد قوات الغدر الصهيونية الخاصة، ولم تعبّر الكلمات عما في داخلها من ألم وحزن فبكاؤها كان أبلغ من الكلمات.
تقول أم زكريا: "أهكذا أصبحت أعيادنا.. ذكريات نرثي بها أحبابنا؟!" ولكن هذه لم تكن إلا صورةً من صور الأنين من أمهات الشهداء وحرقة فراق فلذات أكبادهن.
ويتساءل الغزيون:" إلى متى ستبقى أعيادنا بهذا اللون لون الدماء والدموع؟ إلى متى؟ من سيمسح دموع الأطفال ويزيل الحزن من عيونهم بعد رحيل والدهم؟ أين المسلمون من الأم وآهات ودموع شعب تكالبت عليه وأثخنته الجراح؟
واستقبلت غزة عيدها للعام الثاني على التوالي بنكهة الحصار وآهات العشرات من المرضى الذين ينتظرون من يرأف بهم ويعيد فتح معبر رفح، وبلا كهرباء ولاغاز ولا حج، فما زالت المعابر التجارية مغلقةً منذ خمسة وعشرين يومًا؛ مما تسبب في توقف محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع جرَّاء نفاد الوقود الصناعي اللازم لتشغيلها، كما أعلنت المخابز عن توقفها بسبب نفاد القمح من مخازنها.
وأدى نقص الوقود إلى التسبب في كارثة إنسانية ضربت كل مناحي الحياة، ورفض الكيان الصهيوني جميع النداءات التي وجهتها الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة للدولة بضرورة فتح المعابر لإنقاذ غزة.
مطبخ "أم أحمد رياض" بدا هذا العام باردًا وهادئًا على غير عادته؛ فلم تفترش الأرض وتستقبل جاراتها كما كل عام لإعداد كعك العيد، رغم إلحاح أطفالها، وقالت أم أحمد بنبرة حزن ودموع: "لا دقيق ولا غاز فكيف سنصنعه؟!".
وأشارت إلى أنها كانت تقضي وقتها في مثل هذا الوقت من كل عام والفرحة تغمر البيت ابتهاجًا بالعيد، مضيفةً: "أما اليوم فنشعر بالأسف لغياب تفاصيله الجميلة.."، والحاجة أم براهيم قالت: "منذ عشر سنوات أنا معتادة أن أعمل الكعك، ولكن السنة لا يوجد غاز ولا كعك".
جولة سريعة للأسواق قبل يوم من حلول العيد كانت كافيةً لإخبارنا أي العناوين يحمل هذا العيد؛ فوطأة الحصار المفروض على القطاع انعكست وبوضوح على المستلزمات المفقودة والأسعار الغالية.
الشاب الجامعي محمد اليازجي يصف عيد غزة قائلاً: "الأوضاع صعبة للغاية والناس عبارة عن جيوش من العاطلين عن العمل.."، واستدرك بغصة: "لا عيد في غزة.. عيدنا يوم يرفع الحصار وتفتح المعابر".

لا ألعاب ولا ملابس

الطفل "حمزة" صاحب الأعوام العشرة؛ انهمرت دموعه بغزارة حين أخبره والده بأنه لن يتمكن من شراء "البندقية البلاستيكية" له ولإخوانه الصغار.
وبنظرات الحزن والحسرة أشاح الوالد "علي الشيخ" وجهه عن ابنه حمزة؛ ليخفي دموع عينيه عن ابنه، قائلاً بصوت ممزوج بالبكاء: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
رؤى (6 أعوام) أخذت تستجدي والدها بدموع حارقة ليشتري لها فستانًا جديدًا للعيد، ولكن لا دموعها ولا توسلات إخوانها وجدت طريقها إلى والدها الذي تحدث قائلاً: "فقدت عملي منذ 4 سنوات.. لا أقدر على تلبية أبسط احتياجات البيت.. فكيف سأشتري ملابس العيد لأطفالي الخمسة، وأنا بدون عمل، والغلاء الباهظ في الأسواق لا يرحم.. ليت العيد لم يأت؟".
وبدا أهالي غزة غير مكترثين بقدوم عيد الأضحى المبارك، بعد أن فقدوا أبسط جماليات الاحتفاء بالعيد.
وقال الشاب عماد خليل وهو يضرب كفيه من شدة الحزن "الوضع في غزّة أصبح مأساويًّا.." والله لازم العالم الإسلامي يتقي ربنا ويرفع الحصار عن غزّة"، وقال: العيد ليس له طعم فهو بلا كهرباء ولا غاز ولا رواتب!.
ولعل حجاج غزة الذين أعربوا عن حزنهم الشديد لفشل موسم الحج هذا العام كانوا الأكثر تأثرًا وهم يراقبون بالدموع على شاشات التلفاز حجاج العالم وهم يؤدون مناسك الحج.
وقال الحجاج إن العيد جاء بلا طعم؛ "لأن عيدنا الوحيد كان بالذهاب للديار الحجازية لأداء مناسك الحج لهذا العام، مشيرين إلى أن الأمل تواصل للحج هذا العام ولكن بمجرد الإعلان من قبل وزير أوقاف غزة بفشل الحج تبخرت كافة الآمال.
تجدر الإشارة إلى أن 2200 حاج حُرموا هذا العام من أداء فريضة الحج؛ بسبب المناكفات والاتهامات المتبادلة عن المسبب لإفشال موسم الحج لهذا العام.

هكذا يقضي أهل غزة أعيادهم.. دموع يتامى، وآهات مرضى، وأنين أطفال، ولسان حالهم يقول: "سامحكم الله إخوة العرب"!!.

ليست هناك تعليقات: