السبت، 23 مايو 2009

جامعات تحت الصفر

 د. محمد مورو  

تدنى وسوء أحوال الأجهزة المصرية أصبح ظاهرة واضحة للعيان وتحتاج إلى مناقشة هادئة وصريحة وبدون حذف أو مجاملات، لأن الأمر ليس ـ بنفس المعدل ـ الاتجاه، فإننا باتجاه كارثة حقيقية، يجب بدايةً أن نعترف أن مصر فى أزمة، وأن هذه الأزمة تحتاج إلى تشخيص وفتح الجراح وتوصيف صريح لها. ومن ثم وضع خطة للإقلاع والنهوض.
إذا سلمنا مثلاً أن مصر فقدت الكثير من دورها الإقليمى والعالمى والعربى، فإن هذا صحيح، ليس لأن هناك مؤامرة على مصر مثلاً، وليس لأنها لا تمتلك أوراقاً هامة مؤثرة، ولكن لأنها انشغلت بقضايا شخصية على مستوى عال جداً، وهذا أنسحب على غيابها عن الإقليم بصورة صحيحة، ثم نروح نصرح إذا اعتدى أحد على سيادتنا، ولا نقول لماذا تجرأ هذا أو ذاك، أو ندعى أن مصر لا تزال عظيمة ولها تأثير ونفوذ وأن إنكار ذلك جزء من الحقد على مصر!!.
وإذا قلنا أن هناك ترهلا إداريا واضح المعالم، ناهيك عن الفساد والرشوة والمحسوبية، وأن ذلك لا يرجع إلى سوء سلوك الموظفين، أو ضعف أجهزة الرقابة، بل لأنه أحد لا يكترث بأحوال الناس، بمعنى أنه لو كان لدى إحساس بأن هناك مسئولاً ما حتى لو كان أكبر مسئول، سوف يهتم بشكواى، لما تراخيت ولا تقاعست عن توصيل الشكوى له، ومن ثم يكون ذلك رادعاً للموظف الصغير الفاسد أو المهمل، لأن هناك من سوف يحاسبه، أنه مهما كان الفساد واضحاً بل وموثقاً، فإن أحد لن يستمع إليك، ومن ثم فلا داعى للشكوى أو الاهتمام أصلاً، وعليك أن تحصل على بعض حقوقك بطرق ملتوية، وتكتفى من الغنيمة بالإياب.

إذا فشلت مصر فى مواجهة إنفلونزا الطيور مثلاً، ثم أصبحت هى الأعلى فى نسبة الإصابة عام 2009، فإن ذلك لا يرجع إلى نقص الإمكانيات المادية، ولا ضعف القدرات الطبية والعلمية، بل إلى وجود خلل رئيسى فى جسم النظام السياسى المصرى، لا يسمح بالجدية فى مواجهة أى شىء.

نصل الآن إلى موضوع الجامعات، التى خرجت من التصنيف العالمى لأفضل 500 جامعة، فهى لم تعد فى ذيل القائمة، بل هى خرجت نهائياً من التصنيف، وهذه كارثة، لا نعنى ذلك أن وجودها منذ سنوات فى ذيل القائمة، لم يكن مؤشراً للمسئولين لكى يتحركوا لإدراك الأمر وإصلاح ما أفسده الفاسدون والمهملون، ولكن ربما لأننا فى غيبوبة، فإن الأمر استمر فى نفس الاتجاه.

أنا لا أحمل وزير التعليم العالى، ولا رؤساء الجامعات ولا حتى رئيس الوزراء والمسئولين، بل أحمل النظام السياسى بكامله هذه المسئولية، والبداية الصحيحة لإصلاح الأحوال هى إصلاح النظام السياسى، فالسمكة فسدت من رأسها، وإذا أصلحنا النظام السياسى وكان هناك حرية وتداول سلطة وانتخابات نزيهة، يمكننا أن نصحح باقى الأجهزة التعليمية والقضائية والصحة... الخ. وإذا تجاهلنا الإصلاح السياسى، فإننا نكون مثل الإناء الذى لا قعر له، فمهما صببنا فيه من ماء، فلن يمتلئ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ليست هناك تعليقات: